لن أنسى ذلك اليوم .. في العام الماضي ..
كنت قد عدتُ ظهراً متعبة .. فنمتُ على أن أقومَ لصلاةِ العصر ..
كانت نومةً عميقةً تشبهُ التعبَ الذي بذلته قبلها ..
فلم أستيقظ إلا على صفيرٍ أسمعه من الخارج ..
صفير لا يعني الفرح .. صفير يشبه النذير !!
فتحت عينيّ ..
لأجد غرفتي بألوانٍ لا شمس فيها .. كأنها ألوان ليلٍ يراودهُ الفجر ..
ففزعت ::
الصلاة .. ؟ العصر .. ! .. معقولة نمت إلى الفجر ؟!!
أبحث عن هاتفي النقال لأرى الساعة .. وقد استغربت أنني
لم أستيقظ من منبهه !!
أين هو ؟؟
لم أجده على السرير .. قمت لأنفض الفراش عنه ..
فوجدته يتكئ أسفل السرير .. و هو نائمٌ مغلقٌ لفراغ البطارية!!
خرجتُ إلى " الصالة " .. أنظر إلى ساعةِ الحائط إنها 4.50 دقيقة عصرا !!!!
فتحت باب الشرفة ..
وجدتها عاصفةً فظيعةً هزتني خوفاً .. فلا يعلمُ جنودُ ربكِ إلا هو ..
فتحتُ التلفاز : أبحث عن عنوانِ الحدث الذي نحن فيه .. وكأنني كنتُ على ثقةٍ بأن ثمةَ مصيبة حصلت لتنتهي إلينا العاصفة ..
لم أسمع شيئا ..
لجأت إلى سجادتي .. أصلي .. أدعو .. أستغفر
ياربي بأي الذنوب ستأخذنا .. ؟
ياربي هل يجوز أن نتوبَ في حال العقاب ؟
انتشر في البيت الوصية بالاستغفار .. و لازال صوت أمي في مسمعي .. وكان حزيــــنا يترقب :
يـارب .. يـارب ..
استغفر الله .. استغفر الله .. استغفر الله ..
فبكيت...
وتذكرتُ ماقالته عائشة رضي الله عنها :
" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف ذلك في وجهه ..قالت يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ..وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية ؟؟!!
فقال : يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ؟!
عُذّب قومٌ بالريح وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا : هذا عارضُ ممطرنا .. !
ها أنا الآن أردد الآية :
" فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو مااستعجلتم به . ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم . كذلك نجزي القوم المجرمين "
السماء لازالت تتلون .. وعلى إثرها يتلون بيتنا .. بل الدنيا كلها تتلون ..
يا اللــه .. رحمتك !
تلك كانت قصة ذلك اليوم الرهيب ..
الذي لازالت ذكراه تطل علينا بوجهها الشاحب .. كلما امتلأ الغيم و اختنق المطر ..
وكأننا لازلنا في أصل االقصة ..
لكن البارحة ..
أمطرت...
أي شيءٍ .. هذا المطر ؟؟
إنه كحبٍ ينهمر .. و طفولةٍ تتساقط ..
فنفرح به .. لأنه يجدد عهوداً .. و يبعث مشاعراً وئدت
المطر ..
أمير ملك القلوب في ولايات الفرح
يزورها فتحتفي له بالمواكب و تطرب له بأنغام ضحكٍ تصنعها بهجة حقيقية
الدعاء إذا رأى المطر :
" اللهم صيّبا نافعا "
عندما يهطل المطر ..
لاتهمني سيادة الانفلونزا و لا حضرة البرد المهيب ..
المهم .. هو أن أغرق في المطر ..
المهم أن يصنع لي ألعاباً لاأعرفها إلا فيه
عندما أستغرق في المطر ..
أسمع أهازيج جديدة حرة لا تتبع أي لغة إلا المطر ..
ولا أنسى أنني قلت مرة ..
أشتهي أن أشرب من المطر .. ( أبغى مطر )
وما زادني شوقاً .. أنني تذكرتُ أنّ المطر ماءٌ من عند الله ..
من فوووووق ..
طابت لأختي الفكرة لكنها تراجعت قائلة : المطر .. ماء شابته الغازات !!
أجبتها : يكفي أنه من الله .. سيكون ( ألذ ماء شربناه )
فخرجنا كفقراء إلى الله .. نبتغي المطر ..
نرفع أكوابنا إلى مافوق رأسينا ..
فنخلق مسابقة :
أيّ كوبٍ يمتلئُ أولاً ؟
ويااااااه عندما امتلأت الأكواب ..
كان القرار الصعب ..
أشربها كلها أم نصفها .. ومن ياترى يضمن زيارة المطر ..
شربت نصف الكوب دفعةً واحدة ..
وسريعاً شربت النصف الآخر برغبةٍ عفوية أصلها حب المطر
اليوم ...
عاتبت نفسي : ألم يكن بوسعك حمل وعاءٍ كبير لماء المطر ؟!!
يا مطر .. أسألك :
ماوجه القرابة بينك والأحلام ؟
من يصنع من ؟
من فيكم يغري الآخر بنا ..
فتتملكنا المشاعر ..
من أخمصنا الغارق في المطر .. مروراً بقلوبنا صانعة الأحلام ..
وحتى أعيننا المبللة .. المحدقة إلى أعلى في حلم ..
يا مطر ..
إنك تحيي في قلبي أشياء ..
تفتق فيه زهور خزامى ..
فتغرد من أجله كنار ..
و تطفو عليه نوارس ..
يا مطر ..
فيك حكمةٌ بليغة .. أحبها من حبك:
" برائحتك تستيقظ الأحلام من غفوات ..وبانهمارك تستجاب الدعوات "
فنتمنى .. حتى ندعو :
ياربِ آتنا .. يارب لا تحرمنا .. يارب نرجوك ..
الدعاء بعد نزول المطر :
" مطرنا بفضل الله و رحمته "
وماذا بعد المطر ؟
سماءٌ صافية .. و أرضٌ زاهية .. و تغاريدُ نشوانة ..
و شيءٌ آخر .. لا يكون إلا بعد المطر ..
هو :
رائحةٌ لذيذة .. لا تشبه رائحةَ الطين الذي نعرفه ..
رائحةٌ يصنعها المطر .. ليقول بها : زرتكم وهذا الأثـــر
من أدعية الاستصحاء :
" اللهم حوالينا و لا علينا , اللهم على الآكام و الظراب , و بطون الأودية و منابت الشجر "
أيها المطر ..
حالت بيننا و بينك الذنوب .. فلا سبيل إلا أن نتوب..
* اعذروا الضعيف من اللغة .. فقد كتبتها البارحة بعفويةِ طفلة ...
عيدكم مبارك
<< Home